حرب بيانات مصرية خليجية .. القاهرة تتهم قطر بالضلوع في تفجير الكنيسة البطرسية والزياني يشكك والخارجية المصرية تؤكد وتطالبه بتحري الدقة
يمنات
العلاقات المصرية القطرية تدهورت منذ محاولة الانقلاب الفاشل التي وقعت عام 1996 للإطاحة بأمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، وتورطت فيها عدة دول من بينها مصر، وبهدف اعادة والده الشيخ خليفة بن حمد الى العرش مجددا.
امير قطر السابق لم يغفر للرئيس السابق حسني مبارك تورطه في هذا الانقلاب، وارساله، حسب الرواية القطرية، ضباط من الجيش المصري للمشاركة، او حتى قيادة القوات المغيرة التي انطلقت من الاراضي السعودية، وكانت تخطط لاقتحام الديوان الاميري وقتل الامير، ولكن المحاولة احبطت، ويقال ان الولايات المتحدة لعبت دورا في هذا الصدد، ولكن لا يوجد تأكيد رسمي لهذه الحقيقة.
محطة “الجزيرة” التي جرى استخدامها كمدفعية ثقيلة ضد مصر وتأليب المعارضة لها، ونشر تقارير اعلامية مضادة لعبت دورا كبيرا في زعزعة استقرار البلد، وجاء الانتصار الاكبر عندما دعمت الثورة المصرية للإطاحة بحكم الرئيس مبارك وتبني حركة “الاخوان المسلمين”، ولم تتحسن العلاقة بين البلدين، اي مصر وقطر، الا لفترة قصيرة امتدت لحوالي عام اثناء حكم الرئيس محمد مرسي، ولكنها عادت للتوتر وبصورة اكثر خطورة بعد الاطاحة به، لأن قطر وظفت كل امكانياتها المالية والاعلامية الضخمة ضد نظام الرئيس السيسي.
اتهام وزارة الداخلية المصرية قطر في بيانها الذي صدر بعد تفجير الكنيسة البطرسية وسط القاهرة، وادى الى مقتل 23 شخصا واصابة العشرات، بالوقوف خلف هذا الانفجار، وتأكيدها ان منفذه الانتحاري مهاب مصطفى السيد قاسم زار الدوحة عام 2015، وكان على علاقة مع قيادة الاخوان المسلمين المقيمة فيها، ثم عاد بعد ذلك الى سيناء للقتال فيها، هذا الاتهام ادخل العلاقات بين البلدين في مرحلة جديدة من التوتر غير المسبوق.
ربط دولة قطر بالإرهاب، والوقوف بطريقة او بأخرى، خلف تفجير كنيسة تهمة خطيرة جدا، ربما تترتب عليها عواقب وخيمة، وربما عقوبات ومحاكم دولية اذا جرى اثباتها رسميا بالأدلة والوثائق، مضافا الى ذلك انها يمكن ان تؤلب ابناء الديانة المسيحية ضدها، ليس في مصر وحدها، وانما في بعض الدول الغربية، خاصة ان هناك اتهامات لقطر بدعم جماعات “ارهابية” في سورية، ولم يتردد فرانك غاردنر، المحرر الامني لشبكة “بي بي سي” الى توجيه سؤال حولها الى رئيس المخابرات القطرية اثناء زيارة الامير تميم بن حمد لبريطانيا قبل عام، ونفاها كليا.
المسؤولون القطريون استشعروا هذه الخطورة ولجأوا الى مجلس التعاون الخليجي طلبا للدعم، الامر الذي دفع السيد عبد اللطيف الزياني، امين عام المجلس الى اصدار بيان رسمي، استنكر فيه الاتهامات لقطر، وانزعاجه من الزج باسمها في جريمة تفجير الكنيسة، ودون الاستناد الى معلومات وادلة ثابتة، ولكن الخارجية المصرية سارعت اليوم السبت بإصدار بيان رسمي قالت فيه “ان مصر كانت تأمل ان يعكس موقف مجلس التعاون الخليجي قراءة دقيقة للموقف المصري”، مؤكدا “أن معلومات مصر بشأن تواصل المتهم الرئيسي بتفجير الكنيسة بعناصر في قطر مؤكد، وان السلطات الامنية المعنية تواصل جمع الخيوط كافة حول هذه الجريمة ومن مولها، وخطط لها، وساهم في تنفيذها، وسوف تعلن كل الادلة بعد اكتمال عملية التحقيق”.
البيان المصري يعكس حالة من الثقة، مثلما يعكس تصعيدا ضد دولة قطر، ونوايا انتقامية مبيتة، وان كان بعض المراقبين توقف عن التسرع في توجيه الاتهامات الى الدوحة قبل اكتمال نتائج التحقيق، وجمع الادلة الموثقة.
علاقة دولة قطر بحركة الاخوان المسلمين معروفة ولا نحتاج الى اثباتات، و وجود عناصر من الجماعة في الدوحة ايضا من الامور العلنية التي لا يمكن اخفاؤها، ولكن السؤال هو حول مدى وقوف الجماعة الاخوانية خلف هذا الهجوم الذي ادانته رسميا، مثلما ادانته دولة قطر، ومجلس التعاون الخليجي ايضا.
الاتهامات المصرية لقطر خطيرة، علاوة على كونها تبعث على القلق، وهذا القلق سيتفاقم اذا قدمت مصر ادلتها الدقيقة والمقنعة، لان الخلاف السياسي مشروع، والقصف الاعلامي المتبادل الذي تزايدت حدته منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى مقعد القيادة، من الامور المتبعة بين الدول المتخاصمة في المنطقة العربية، اما التورط في تفجير كنيسة، فهذا عمل جنائي يتجاوز الخطوط الحمراء بكل تدرجاتها.
زيارة شاب مصري الى دولة قطر امر عادي، فهناك آلاف المصريين يعملون فيها، وفي محطة “الجزيرة” ايضا، بعد ان توسعت وانتقلت من “علبة الكبريت” الى مبنى كبير وفخم، ولكن اذا ثبت وجود علاقة بينه وعناصر “اخوانية” في الدوحة “جندته” للإقدام على هذه الجريمة، فان الامر يحتاج الى اثباتات قوية ودقيقة جدا، بسبب التبعات التي تترتب على ذلك.
لن نستعجل في اصدار الاحكام في هذه القضية، ونفضل في هذه الصحيفة “رأي اليوم” انتظار الدلائل المصرية القاطعة، ولكن الامر المؤكد ان التوتر في العلاقات المصرية القطرية، سيتصاعد، بغض النظر عن النتائج، لأن هذه العلاقات لم تكن جيدة طوال العقدين الماضيين، باستثناء شهر عسل قصير لم يدم إلا عام واحد.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا